التدليل على مفردات إعجاز القرآن الذي انطلق في كثير من قضاياه من الظاهرة اللغوية التكاملية بين المفردة من حيث هي مفردة، وبين التراكيب التي تمثل المفردةُ أحد أركانها القائمة عليها.
وإذا أردت أن تمثل على براعة القرآن الكريم في استعمال المفردة من حيث هي مفردة، فلا عليك إلا أن توقع بصرك على أي مفردة من مفرداته، ثم أن تُمعن بصيرتك وتحرك همتك في البحث عن دلائلها وبراهينها وشواهد بلاغتها.
انظر -مثلاً- إلى الكلمات التي تكونت منها الآية الرابعة من سورة النساء: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾ [النساء: ٤]، ومنها: ﴿وَآتُوا﴾، ﴿صَدُقَاتِهِنَّ﴾، ﴿نِحْلَةً﴾، ﴿طِبْنَ﴾، ﴿فَكُلُوهُ﴾، ﴿هَنِيئًا﴾، ﴿مَرِيئًا﴾. أقول: انظر كيف أدت كل كلمة من هذه الكلمات رسالة خالدة في منظومة العقد الاجتماعي الإسلامي الفريد؛ لتؤسس فكراً مبنياً على تكريم المرأة واحترامها وتقديرها، وأن القضية هنا ليست قضية مالية -فحسب-، وإنما هي إثبات شخصية وتأكيد هوية.
قال ابن عاشور:(وسميت الصدقات نحلة إبعاداً للصدقات عن أنواع الأعواض، وتقريباً بها إلى الهدية، إذ ليس الصداق عوضاً عن منافع المرأة عند التحقيق … ، ولكن الله جعله هدية واجبة على الأزواج إكراما لزوجاتهم)(١).
(١) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ٤، ص ٢٣٠ - ٢٣١.