وأرى أن هذه الجملة من كلام الرافعي من أهم ما ورد من كلامه حول موضوع البحث الأول من بحوث النظم عنده، ولكني سأقف فيما بعد كثيرا عند جملته:(إلا الجمل القليلة).
وقبل ذلك أذكر شيئاً من تفصيل نظرية الرافعي في إعجاز الأصوات، فأقول:
١. يرى الرافعي أن العرب:(لما قرئ عليهم القرآن، رأوا حروفه في كلماته، وكلماته في جمله، ألحانا لغوية رائعة؛ كأنها لائتلافها وتناسبها قطعة واحدة، قراءتها هي توقيعها فلم يفتهم هذا المعنى، وأنه أمر لا قبل لهم به، وكان ذلك أبين في عجزهم؛ حتى إن من عارضه منهم، كمسيلمة، جنح في خرافاته إلى ما حسبه نظما موسيقياً أو باباً منه وطوى عما وراء ذلك من التصرف في اللغة وأساليبها ومحاسنها ودقائق التركيب البياني، كأنه فطن إلى أن الصدمة الأولى للنفس العربية، وإنما هي في أوزان الكلمات وأجراس الحروف دون ما عداها؛ وليس يتفق ذلك في شيء من كلام العرب إلا أن يكون وزنا من الشعر أو السجع)(١).
يريد من هذا الكلام أن يبين قيمة الصوت عند العرب، عندما نزل عليهم القرآن الكريم، وأن القرآن الكريم قد تفرد بهذا الوجه دون غيره من أنواع الكلام.
وأتى على ذلك بمثال، وهو أننا لو جئنا بشيء من الكلام البليغ من غير القرآن ورتلناه ترتيل القرآن فستكون النتيجة كما يأتي:
(١) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، الرافعي، ص ١٤٨.