للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التركيب هو روح الفطرة اللغوية فيهم، وأنه لا سبيل إلى صرفه عن نفس أحد العرب أو اعتراض مساغه إلى هذه النفس، إذ هو وجه الكمال اللغوي الذي عرف أرواحهم واطلع على قلوبهم، بل هو السر الذي يفشي بينهم نفسه، وإن كتموه، ويظهر على ألسنتهم ويتبين في وجوههم وينتهي إلى حيث ينتهي الشعور والحس، فليس للخلابة أو المؤاربة وجه في نقض تأثيره وإزالته عن موضعه، ومن استقبل ذلك بكلامه أو أراده بأي حيلة، فقد استقبل رد النفوس عن أهوائها، وردع القلوب عن محبتها، وحاول معارضه أقوى ما في النفس بأضعف ما فيه شيء -فيما يعرفونه- لا يستقيم لامرئ من الناس ببيان ولا عصبية ولا هوى ولا شيء من هذه الفروع النفسية، وليس إلا أن ينقض الفطرة فيستقيم له، وما في نقض هذه الفطرة إلا أن يبدأ الخلق فيكون إلها، وهذا كما ترى فوق أن يسمى أو يعقل) (١).

ثالثاً: النظم هو المادة التي سيتحدث عنها الرافعي ولا غير، وليس اقتصاره في الكلام على النظم دليلاً على أنه ينكر وجوه الإعجاز الأخرى، ولعل السبب في ذلك أن الوجوه الأخرى لا يخالف الرافعي غيره في فهمها لفظاً ومعنى، ولا في تطبيقاتها على العموم، وإنما الوجه الذي يريد أن يقرر فيه شيئا جديداً هو النظم، مُلمحاً في ذلك إلى اعتراضه على مفهوم النظم عند المتقدمين، إما كلياً وإما جزئياً، وهو ما أرجحه في هذا المقام بدلالة التطبيقات التي أثرى من خلالها درسه الإعجازي تأصيلاً وتطبيقاً.


(١) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، الرافعي، ص ١٣٢.

<<  <   >  >>