والناظر في الآيات الكريمات التي استشهد بها الزرقاني، يجد أنها لا تنتج المدلول، يقول القاسمي:(أي ليس ذلك إلي، إنما أنا مبلغ عن الله تعالى. قيل: إنما اكتفى بالجواب عن التبديل، للإيذان بأن استحالة ما اقترحوه أولا، من الظهور بحيث لا حاجة إلى بيانها. وأن التصدي لذلك، مع كونه ضائعا، ربما يعد من قبيل المجاراة مع السفهاء، إذ لا يصدر مثل ذلك الاقتراح عن العقلاء. ولأن ما يدل على استحالة الثاني يدل على استحالة الأول بالطريق الأولى، فهو جواب عن الأمرين بحسب المآل والحقيقة وقوله: إن عصيت ربي أي بالتبديل والنسخ من عند نفسي)(١).
وللعلم، فقد ذكر الزرقاني وجها آخر لا يختلف كثيراً في نقده عن هذا الوجه، فقال:(الوجه الثالث عشر: الآيات التي تجرد الرسول من نسبته إليه)(٢). ولا يخفى أن هذا الأمر لا يصلح أن يكون وجهاً من وجوه الإعجاز، فإنه لا يحمل من مقتضى الإعجاز شيئاً من ماهيته وما صدقه، من حيث تحقق الشروط وانتفاء الموانع، وتحقيق مقتضى التحدي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإعجاز لا يصح أن يقع في أمر من مقدورات البشر، فإن أي إنسان يستطيع أن يقول قولاً عن غيره ثم يُضمّن قوله هذا براءته من أن يكون له، ولا يدل هذا بحال من الأحوال على أن كلامه معجز، بل لا يدل إلا على أمر
(١) القاسمي، محمد جمال الدين (١٣٣٢ هـ)، محاسن التأويل، تحقيق: محمد باسل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٨ هـ، ج ٦، ص ١١. (٢) الزرقاني، مناهل العرفان، ج ٢، ص ٤٠٣.