الحاجة في البابين، لكن قال السبكي: لم أر أحداً صحح تقديم الأم هنا، مع أنَّه يوافق الحديث في البداءة بالأم.
قلت: تقدم عن الشافعي التصريح بذلك، وأورد في "الكفاية" على قول "التَّنبيه"[ص ٦٠]: (فإن وجد ما يؤدي عن البعض) أن ظاهره: أنَّه مع وجدان فطرة نفسه، ولا يلائم قوله:(وقيل: يقدم فطرة الزوجة على فطرة نفسه)(١) لاقتضائه أن الموجود صاع واحد؛ ولأن الشرط عنده في فطرة الغير: وجوب فطرة نفسه، وإذا وجب إخراج الصاع الواحد للزوجة .. فلا وجوب عليه لنفسه، وأجاب: بأن المراد: من صلح لوجوبه في حق نفسه في الجملة.
١١٨٧ - قول "الحاوي"[ص ٢٢٤]: (ثم يتخير بغير توزيع) أي: إذا استوى جماعة في درجة؛ كزوجات وأولاد .. بدأ بمن شاء، ولا يوزع الصاع بينهم، كذا صحَّحه النووي (٢)، ولم يصحح الرافعي شيئًا، بل أشعر كلامه بترجيح التوزيع؛ فإنَّه قال: ويتأيد وجه التقسيط بالنفقة؛ فإنَّها توزع في مثل هذه الحالة، قال: ولم يتعرضوا للإقراع هنا، وله مجال في نظائره (٣).
وفي "المهمات" عن منصور التميمي صاحب "الرَّبيع" أنَّه قال في (كتاب المسافر) بعد حكايته عن الشَّافعي تقديم من شاء: قال منصور: بل يقرع بينهم، فيبدأ بمن خرجت قرعته.
١١٨٨ - قول "التَّنبيه"[ص ٦١]: (وأمَّا الأقط: فقد قيل: يجوز، وقيل: فيه قولان) فيه أمور:
أحدها: الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: الإجزاء، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي"(٤)، وقال في "الروضة": ينبغي أن يقطع بجوازه؛ لصحة الحديث فيه من غير معارض (٥).
ثانيها: محل الخلاف: ألَاّ يكون مملحاً بملح يفسد جوهره، فإن كان كذلك .. لم يجز قطعاً، وهذا وارد على "المنهاج" و "الحاوي" أيضاً، لكنَّه مفهوم من قول "التَّنبيه"[ص ٦١]: (ولا يؤخذ في الفطرة حب معيب) و "المنهاج"[ص ١٧٣]: (الواجب: الحب السليم)، فإذا اشترطت السلامة في الحب .. ففي غيره أولى، وهذا عيب.
ثالثها: قد يفهم من اقتصاره هو و "المنهاج" على الأقط: عدم إجزاء الجبن الذي لم ينزع زبده واللبن، والمذهب: إجزاؤهما، وقد ذكرهما "الحاوي"، لكنَّه لم يقيد الجبن بكونه غير منزوع
(١) انظر "التَّنبيه" (ص ٦٠). (٢) انظر "المجموع" (٦/ ٩٩). (٣) انظر "فتح العزيز" (٣/ ١٦١). (٤) الحاوي (ص ٢٢٤)، المنهاج (ص ١٧٣). (٥) الروضة (٢/ ٣٠٢).