وظهر بذلك أن مقالة البغوي ليست وجهاً مرجوحاً، بل محكية عن الأصحاب، والله أعلم.
وارتضى شيخنا في "تصحيح المنهاج" كلام البغوي، ثم قال: ولعله فيما إذا لم تحصل مؤنة ومشقة زائدة على العادة، فإن كان .. لم يبعد أن يستقل بالبيع كما يسلط على الظفر من الجنس وغيره.
ثانيها: قيده في "أصل الروضة" أيضاً بأن لا يكون للأخذ بينة، ولم يذكر حكم المحترز عنه، وقال في "المهمات": الصحيح: جواز الأخذ من مال المنكر وإن كان عليه بينة بلا رفع إلى الحاكم؛ لما فيه من المشقة والمؤنة وتضييع الزمان، وهذا المعنى قد يوجد في البيع أيضاً.
قلت: الظاهر عدم استقلاله بالبيع مع وجود البينة، بل هو أولى بما إذا كان القاضي عالماً؛ فإن الحكم بالعلم مختلف فيه، بخلاف البينة لا محيص له عن الحكم بها، فإن قلت: فما فائدة عدم وجوب المرافعة إذا قلتم لا يستقل بالبيع؛ قلت: فائدته فيما إذا ظفر بالجنس.
ثالثها: قد يفهم من قوله: (بنفسه) أنه لا يوكل فيه، لكن في زيادة "الروضة" في آخر تعليق الطلاق جواز التوكيل فيه (١)، قال في "التوشيح": وينبغي أن لا يتوكل له إلا من يعتقد أنه محق في البيع.
رابعها: إطلاق الأخذ من غير الجنس محله إذا لم يجد أحد النقدين، فإن وجده .. تعين، ولم يعدل إلى غيره، حكاه في " المطلب " عن المتولي، وارتضاه.
خامسها: قد يفهم كلامهم بيعه [بجنس](٢) حقه، وحكاه الإمام عن طائفة من محققي أصحابنا (٣)، والمشهور: أنه لا يبيعه إلا بنقد البلد، ويوافقه كلام الرافعي في التفليس (٤)، لكن يخالفه قوله في بيع عدل الرهن: ولو رأى الحاكم أن يبيعه بجنس حق المرتهن .. جاز (٥)، وكذا في أول الباب الثاني من الوكالة (٦)، وقد يقال: إنما تعين على الظافر البيع بنقد البلد؛ للتهمة، وفي مسألة الفلس؛ لتعدد الغرماء، بخلاف الحاكم في مسألة الرهن؛ لبعده عن التهمة وعدم المزاحمة، ومقتضى هذا: أنه لو لم يكن في الفلس إلا غريم واحد .. فللحاكم البيع بجنس حقه.
٦٢٥٨ - قولهما - والعبارة " للمنهاج " -: (والمأخوذ مضمون عليه في الأصح)(٧) محله في غير
(١) الروضة (٨/ ٢٠٥). (٢) في (د): (بغير جنس). (٣) انظر "نهاية المطلب" (١٩/ ١٩١). (٤) انظر "فتح العزيز" (٥/ ١٩). (٥) انظر "فتح العزيز" (٤/ ٥٠٣). (٦) انظر "فتح العزيز" (٥/ ٢٢٥). (٧) انظر "التنبيه" (ص ٢٦٥)، و"المنهاج" (ص ٥٧٦).