نبلغهم المأمن ونقاتلهم قتال البغاة، ولا نتعرض لهم مدبرين (١)، ولهذا قال "الحاوي"[ص ٥٨١]: (وإن ظنها المحقة .. نترك المدبر) لكن يشترط مع ظنها المحقة: أن يقولوا: وظننا أن لنا إعانة المحق؛ ذكره الرافعي، وأهمله في "الروضة"(٢).
٤٩٧٥ - قول "المنهاج"[ص ٥٠٠]: (ولو أعانهم أهل الذمة عالمين بتحريم قتالنا .. انتقض عهدهم، أو مكرهين .. فلا، وكذا إن قالوا:"ظننا جوازه" أو "أنهم محقون" على المذهب، ويُقَاتَلون كبغاةٍ) فيه أمور:
أحدها: أن قوله: (انتقض عهدهم) وقول "الحاوي"[ص ٥٨١]: (بطل) يقتضي انتقاضه مطلقًا حتى في حق أهل البغي، وهو الذي ذكره البغوي وغيره (٣)، وفي "البيان": أنه ينبغي أن يكون في انتقاضه في حق البغاة الخلاف في أهل الحرب (٤)، لكنا نقول: كان الأمان هناك خاصًا ابتداءً بأهل البغي .. فنفذ عليهم خاصة، والذمة هنا كانت مطلقة .. فانتقضت مطلقًا.
ثانيها: أن قوله: (عالمين بتحريمه) احترز به عما ذكره آخرًا من قولهم: ("ظننا جوازه" أو "أنهم محقون") ويخالفه قول "الحاوي"[ص ٥٨١]: (وإن جهل الحق) لكنه عقبه بقوله: (إن لم يبد عذرًا) وحمله من تكلم عليه على قولهم: ("ظننا جوازه" أو "أنهم محقون") وهذه هي صورة جهل الحق، فكيف اجتمع هذان الكلامان المتناقضان؟ ينبغي النظر في هذا.
ثالثها: عبارته تقتضي أنه لا خلاف في أن المكره لا ينتقض عهده، وليس كذلك، بل فيه الطريقان، وعبارة "الروضة" فيه: وإن قالوا: كنا مكرهين .. لم ينتقض على المذهب (٥)، فكان ينبغي لـ "المنهاج" الجمع بين هذه المسألة والتي بعدها بعبارة واحدة.
رابعها: أن تعبيره بقوله: (أو مكرهين) مع قوله في التي بعدها: (قالوا: ظننا) وتعبير "الحاوي" بقوله [ص ٥٨١]: (وإن أكره .. فكهي) أي: كالباغية، مع قوله في الأخرى:(إن لم يبد عذرًا) يقتضي ثبوت الإكراه، وليس كذلك، بل يكفي ذكرهم ذلك.
خامسها: قوله: (ويقاتلون كبغاة) قد يفهم أنهم لا يضمنون ما أتلفوه في حال القتال كالبغاة، وليس كذلك، وأقوي من ذلك في هذا الإيهام قول "الحاوي"[ص ٥٨١]: (وإن أكره .. فكهي) لأن "المنهاج" صرح بأن تشبيههم بالبغاة في قتالهم، وضمان الإتلاف شيء آخر، بخلاف
(١) الروضة (١٠/ ٦١). (٢) فتح العزيز (١١/ ٩٤). (٣) انظر "التهذيب" (٧/ ٢٨٥). (٤) البيان (١٢/ ٣٢). (٥) الروضة (١٠/ ٦١).