للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فدخلت معه، فكان رجل سوء؛ يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها؛ فإذا جمعوا له شيئًا كنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب ووَرِق (١).

قال: وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع.

ثم مات، واجتمعت له النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء؛ يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها كنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا.

قال: فقالوا لي: وما علمك بذلك؟ قال: فقلت لهم: أنا أدلكم على كنزه. قالوا: فدلنا. قال: فأريتهم موضعه، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبًا وورِقًا، فلما رأوها قالوا: لا ندفنه أبدًا. قال: فصلبوه ورموه بالحجارة.

وجاؤوا برجل آخر فوضعوه مكانه. قال سلمان: فما رأيت رجلًا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، وأزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلًا ونهارًا [منه].

قال: فأحببته حبًا لم أحب شيئًا قبله مثله.

قال: فأقمت معه زمانًا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إني قد كنت معك، وأحببتك حبًا لم أحبه شيئًا قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر اللَّه تعالى، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: أي بني! واللَّه؛ ما أعلم اليوم أحدًا على ما كُنْتُ عليه، لقد هلك الناس وبدلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عليه: إلا رجلًا بـ (الموصل)، وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالْحَق به.


(١) [أي: فضة]. الناشر.

<<  <   >  >>