وتركت ضيعة أبي فلم آتها، ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام.
فرجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وشغلته عن أمره كله.
فلما جئت قال: أي بني! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ (١). قال: قلت: يا أبت! مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فواللَّه؛ ما زلت عندهم حتى غربت الشمس.
قال: أي بني! ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه.
قال: قلت: كلا واللَّه؛ إنه لخير من ديننا.
قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدًا، ثم حبسني في بيته.
قال: وبعثت إلى النصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من (٢) النصارى، فأخبروني بهم، فقلت: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة بلى بلادهم فآذنوني.
قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: مَنْ أفضل هذا الدين علمًا؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة.
قال: فجئته فقلت له: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك، وأخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك. قال: ادخل.
(١) الأصل: "أعهد بليك ما عهدته"، والمثبت من "السيرة". (٢) الأصل تبعًا لأصله: "فجاؤني"! والتصحيح من "السيرة".