وفي "الصحيحين" عن جابر بن عبد اللَّه قال: سمعت رسول اللَّه ﷺ يحدث عن فترة الوحي قال:
"فبينما أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء. . . فَجَثيتُ منه فَرَقًا حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زمِّلوني زمِّلوني. فأنزل اللَّه: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ١ - ٥].
قال: ثم حمي الوحي وتتابع" (١).
فهذا كان أول ما نزل من القرآن بعد فترة الوحي لا مطلقًا، ذاك قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (٢).
وقد ثبت عن جابر: أن أول ما نزل: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾، واللائق حمل كلامه ما أمكن على ما قلناه: فإن في سياق كلامه ما يدل على تقدم مجيء الملك الذي عرفه ثانيًا بما عرفه به أولًا إليه. ثم قوله:"يحدث عن فترة الوحي" دليل على تقدم الوحي على هذا الإيحاء. واللَّه أعلم.
وقد ثبت في " الصحيحين" عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة ابن عبد الرحمن: أي القرآن أنزل قبلُ؟ فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾.
فقلت: و ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾؟
(١) تقدم (ص ٨٦). (٢) يعني: حديث عائشة المتقدم (ص ٨٤ - ٨٦)، وهو صريح في ذلك.