وهكذا رواه البيهقي في "الدلائل" إلى قوله: "فأمر لنا بطعام وكسوة"(١)، قال:
"وهذا إسناد صحيح، وظاهره يدل على أن أبا موسى كان بـ (مكة)، وأنه خرج مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة.
والصحيح عن بُريد (٢) بن عبد اللَّه بن أبي بُردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى: أنهم بلغهم مخرج رسول اللَّه ﷺ وهم باليمن، فخرجوا مهاجرين في بضع وخمسين رجلًا في سفينة، فألقتهم سفينتهم إلى النجاشي بأرض الحبشة، فوافقوا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عندهم، فأمره جعفر بالإقامة، فأقاموا عنده حتى قدموا على رسول اللَّه ﷺ زمن (خيبر).
قال: وأبو موسى شهد ما جرى بين جعفر وبين النجاشي، فأخبر عنه.
قال: ولعل الراوي وهم في قوله: "أمرنا رسول اللَّه ﷺ أن ننطلق". واللَّه أعلم (٣) ".
(١) قلت: وكذلك هو عند الحاكم؛ لكن بزيادة قوله: "ردوا على هذين هديتهما". ولعله كذلك عند البيهقي. (٢) الأصل: "يزيد"، وهو تصحيف يقع كثيرًا من النساخ والمحققين الذي لا علم عندهم بالرواة، وقد تكرر في رواية البخاري الآتية؛ لكن المحقق تنبه هناك فصححه من "البخاري". (٣) قلت: الوهم المذكور محتمل؛ لا سيما وفيه من كان اختلط كما سبق؛ لكن قال الحافظ في "الفتح": "ويمكن الجمع بأن يكون أبو موسى هاجر أولًا إلى (مكة) فأسلم، فبعثه النبي ﷺ مع من بعث إلى الحبشة، فتوجه إلى بلاد قومه مقابل الحبشة من الجانب الشرقي، فلما تحقق استقرار النبي ﷺ وأصحابه بـ (المدينة)؛ هاجر هو ومن أسلم من قومه إلى (المدينة)؛ فألقتهم السفينة لأجل هيجان الريح إلى الحبشة، فهذا محتمل، وفيه جمع بين الأخبار، فليعتمد، وعلى هذا فقوله: "بلغنا مخرج النبي ﷺ"؛ أي: إلى (المدينة)، وليس المراد: بلغنا مبعثه، ويؤيده أنه يبعد كل البعد أن يتأخر علم مبعثه إلى مضي نحو عشرين سنة .. ".