للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى ابن جرير أيضًا من طريق العَوفي، عن ابن عباس في هذه الآية؛ قال: كان رسول الله بعث الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وإنهم لما أتاهم الخبر فَرحُوا وخرجوا يتلقون رسولَ رسولِ الله وإنه لما حُدّث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه، رجع الوليد إلى رسول الله ؛ فقال: يا رسول الله؛ إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة. فغضب رسول الله من ذلك غضبًا شديدًا، فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا: يا رسول الله، إنا [١] حُدّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن ما رَدّة كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غَضَبه وغضب رسوله. وإن النبي استغشهم وهَمّ بهم، فأنزل الله عذرهم في الكتاب، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا … ﴾ إلى آخر الآية (٢٦).

وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول الله الوليد بين عقبة إلى بني المصطق ليُصَدّقهم، فتلقوه بالصدقة، فرجع فقال: إن بني المصطق قد جمعت لك لتقاتلك - زاد قتادة: وإنهم قد ارتدوا عن الإِسلام - فبعث رسول الله خالد بن الوليد إليهم، وأمره أن يتثبت ولا يعجل. فانطلق حتى أتاهم ليلًا، فبعث عيونه، فلما جاءوا أخبروا خالدًا أنهم مستمسكون بالإِسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى رسول الله فأخبره الخبر، فأنزل الله هذه الآية. قال قتادة: فكان رسول الله يقول: "التبيّن [٢] من الله، والعجلة من الشيطان" (٢٧).

وكذا ذكر غير واحد من السلف، منهم: ابن أبي ليلى، ويزيد [٣] بن رومان، والضحاك، ومقاتل بن حَيَّان، وغيرهم في هذه الآية: أنها نزلت في الوليد بن عقبة، والله أعلم.


= الجرح والتعديل (٢/ ٤٦١) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. والحديث أخرجه الطبري (٢٦/ ١٢٣).
(٢٦) - وأخرجه الطبري (١٦/ ١٢٣ - ١٢٤) من طريق محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه عن ابن عباس. وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد.
(٢٧) - وأخرجه الطبري (٢٦/ ١٢٤) والمرفوع منه ضعفه الألباني في ضعيف الجامع وعزاه إلى الخرائطي في مكارم الأخلاق وابن أبي الدنيا في ذم الغضب. وللحديث شاهد من حديث أنس أن النبي قال: "التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان، أخرجه أبو يعلى (٧/ ٢٤٨) برقم (١٥٠١). والبيهقي (١٠/ ١٠٤). كلاهما من طريق سعد بن سنان عن أنس، وهو ضعيف.