"لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله". ثم دعا سعد فقال: اللهم؛ إن كنت أبقيتَ على نبيك من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك. قال: فانفجر كَلْمُه، وكان قد برئ منه إلا مثل الخُرْص [١]، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله، ﷺ.
قالت عائشة: فَحَضَره [٢] رسولُ الله ﷺ وأبو [٣] بكر، وعمر. قالت: فوالذي نفس محمد بيده، إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله تعالى: ﴿رحماء بينهم﴾.
قال علقمة: فقلت: أي أمّه؛ فكيف [٤] كان رسول الله، ﷺ، يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته.
وقد أخرج البخاري ومسلم (٥٧) من حديث عبد الله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة نحوًا من هذا، ولكنه [٥] أخصر منه، وفيه دُعاء سعد ﵁.
هذا أمر من الله لرسوله [٦]، ﷺ، بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن، فيذهبن إلى غيره ممن يَحصُلُ لهن [من] عنده الحياةُ الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل: فاخترن ﵅ وأرضاهن- الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة.
(٥٧) - صحيح البخاري في المغازي، باب فرجع النبي ﷺ من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، حديث (٤١٢٢)، ومسلم في الجهاد والسير، باب: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حديث (١٧٦٩) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.