للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَينِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَينَاهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا (٨٤)

يقول تعالى لنبيه : ﴿وَيَسْأَلُونَكَ﴾ [يا محمد] [١] ﴿عَنْ ذِي الْقَرْنَينِ﴾، أي: عن خبره. وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب، يسألون منهم ما يمتحنون به النبي ، فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض. وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح. فنزلت سورة الكهف.

وقد أورد ابن جرير (١٠٥) هاهنا والأموي في مغازيه حديثًا أسنده - وهو ضعيف - عن عقبة بن عامر أن نفرًا من اليهود جاءوا يسألون النبي عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداءً، فكان فيما أخبرهم به أنه كان شابًّا من الروم، وأنه بنى الإِسكندرية، وأنه علا به ملك [٢] في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجوه الكلاب. وفيه طول ونَكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، والعجب أن أبا زرعة الرازي - مع جلالة قدره - ساقه بتمامه في كتابه "دلائل النبوة" وذلك غريب منه، وفيه من النكارة [٣] أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإِسكندر الثاني، ابن فيليبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم.

فأما الأول: فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل - عليه [٤] السلام - أول ما بيناه، وآمن به واتبعه، وكان معه الخضر .

وأما الثاني: فهو إسكندر بن فيليب المقدوني اليوناني، وكان [٥] وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف [٦] المشهور، والله أعلم.

وهو الذي تؤرخ به [٧] من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة. فأما الأول المذكور في القرآن: فكان في زمن الخليل كما ذكره الأزرقي


(١٠٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٨/ ١٦) حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن حباب عن ابن لهيعة، قال: ثنى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن شيخين من تجيب قال أحدهما لصاحبه: انطلق بنا إلى عقبة بن عامر، فذكره.