يقول تعالى لنبيه ﷺ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ﴾ [يا محمد][١] ﴿عَنْ ذِي الْقَرْنَينِ﴾، أي: عن خبره. وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب، يسألون منهم ما يمتحنون به النبي ﷺ، فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض. وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح. فنزلت سورة الكهف.
وقد أورد ابن جرير (١٠٥) هاهنا والأموي في مغازيه حديثًا أسنده - وهو ضعيف - عن عقبة بن عامر أن نفرًا من اليهود جاءوا يسألون النبي ﷺ عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداءً، فكان فيما أخبرهم به أنه كان شابًّا من الروم، وأنه بنى الإِسكندرية، وأنه علا به ملك [٢] في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجوه الكلاب. وفيه طول ونَكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، والعجب أن أبا زرعة الرازي - مع جلالة قدره - ساقه بتمامه في كتابه "دلائل النبوة" وذلك غريب منه، وفيه من النكارة [٣] أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإِسكندر الثاني، ابن فيليبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم.
فأما الأول: فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل - عليه [٤] السلام - أول ما بيناه، وآمن به واتبعه، وكان معه الخضر ﵇.
وأما الثاني: فهو إسكندر بن فيليب المقدوني اليوناني، وكان [٥] وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف [٦] المشهور، والله أعلم.
وهو الذي تؤرخ به [٧] من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح ﵇ بنحو من ثلاثمائة سنة. فأما الأول المذكور في القرآن: فكان في زمن الخليل كما ذكره الأزرقي
(١٠٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٨/ ١٦) حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن حباب عن ابن لهيعة، قال: ثنى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن شيخين من تجيب قال أحدهما لصاحبه: انطلق بنا إلى عقبة بن عامر، فذكره.