للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخضر فحملوهما بغير نول -يعني بغير أجرة- تكرمة للخضر، فلما استقلت بهم السفينة في البحر ولججت، أي: دخلت اللجة، قام الخضر فخرقها، واستخرج لوحًا من ألواحها، ثم رفعها، فلم يملك موسى نفسه أن قال منكرًا عليه: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ وهذه اللام لام العاقبة، لا لام التعليل، كما قال الشاعر:

لدوا للموت وابنوا للخراب

﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيئًا إِمْرًا﴾ قال مجاهد: منكرًا. وقال قتادة: عجبًا.

فعندها قال له الخضر مذكرًا بما تقدم من الشرط: ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾، يعني: وهذا الصنيع فعلتُه قصدًا، وهو من الأمور التي اشترطت معك ألا تنكر عليّ فيها؛ لأنك لم تحط بها خبرًا، ولها داخل هو مصلحة ولم تعلمه أنت ﴿قَال﴾ أي: موسى ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾، أي [١]: لا تضيق عليّ وتشدد، ولهذا تقدم في الحديث عن رسول الله أنه قال: "كانت الأولى من موسى نسيانًا" (٨٩).

﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَال أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيئًا نُكْرًا (٧٤) قَال أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥) قَال إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦)

يقول تعالى: ﴿فَانْطَلَقَا﴾ أي [٢]: بعد ذلك ﴿حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ﴾. وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى، وأنه عمد إليه من بينهم، وكان أحسنهم وأجملهم وأوضأهم فقتله، فروي أنه احتز [٣] رأسه، وقيل: رضخه بحجر. [وفي رواية] [٤]: اقتطفه بيده فالله أعلم.

فلما شاهد موسى هذا أنكره أشد من الأول، وبادر فقال: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾، أي: صغيرة لم تعمل الحنث، ولا حملت إثمًا بعد فقتلته؟! ﴿بِغَيرِ نَفْسٍ﴾، أي: بغير مستند لقتله ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيئًا نُكْرًا﴾ أي: [ظاهر النكارة] [٥]


(٨٩) تقدم برقم (٨٥).