﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ فهدمه، ثم قعد يبنيه، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف، وما ليس له عليه صبر، فقال: ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيهِ أَجْرًا﴾، أي: قد استطعمناهم فلم يطعمونا، وضفناهم فلم يضيفونا، ثم قعدت تعمل من غير صنيعة، ولو شئت لأعطيت عليه أجرًا في [٢] عمله.
﴿قَال هَذَا فِرَاقُ بَينِي وَبَينِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْويلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ و [٣] في قراءة أبيّ بن كعب: (كل سفينة صالحة) وإنما عبتها لأرده عنها، فسلمت حين رأى العيب الذي صنعت بها ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَينِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَينِ يَتِيمَينِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾، أي: ما فعلته عن نفسي ﴿ذَلِكَ تَأْويلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا﴾ وكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علمًا.
وقال العوفي (٨٦): عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر، أنزل قومه مصر [٤] فلما استقرت بهم الدار، أنزل الله: أن ذكرهم بأيام الله. فخطب قومه، فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون، وذكرهم هلاك عدوهم، وما استخلفهم الله في الأرض، وقال: كلم الله نبيكم تكليمًا، واصطفاني لنفسه، وأنزل عليّ محبة منه، وآتاكم الله [٥] من كل ما سألتموه، فنبيكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرءون التوراة. فلم يترك نعمة أنعمها عليهم إلا [٦] وعرفهم إياها، فقال له رجل من بني إسرائيل: هم كذلك يا نبي الله، قد عرفنا الذي تقول، فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ [قال: لا][٧] فبعث الله جبرائيل إلى موسى ﵉ فقال: إن
(٨٦) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/ ٢٨١) حدثني محمَّد بن سعد، قال: ثنى أبي قال ثنا عمي، قال: ثنا أبي عن أبيه (عطية العوفي) عن ابن عباس فذكره.