قال ابن جرير [١]: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ تقديره: ثم قل يا محمد مخبرًا عنا: بأنا آتينا موسى الكتاب، بدلالة قوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾.
قلت: وفي هذا نظر، و "ثم" هاهنا إما هي لعطف الخبر بعد الخبر، لا للترتيب هاهنا، كما قال الشاعر:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه … ثم قد [٢] ساد قبل ذلك جده
وهاهنا لما أخبر الله سبحانه عن القرآن بقوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ عطف بمدح [٣] التوراة [ورسولها، فقال: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ وكثيرًا ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة][٤]، كقوله تعالى: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾، وقوله أول هذه السورة: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾ الآية، وبعدها: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ الآية، وقال تعالى مخبرًا عن المشركين: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ [٥] تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾، قال تعالى مخبرًا عن الجن أنهم قالوا: ﴿يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
وقوله تعالى: ﴿تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا﴾ أي: آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تمامًا كاملًا، جامعًا لما [٦] يحتاج إليه فى شريعته، كقوله ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا][٧]﴾.