للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ أي: جزاء على إحسانه في العمل، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا، كقوله: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾، وكقوله: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾، وكقوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ يقول: أحسن فيما أعطاه الله.

وقال قتادة: من أحسن في الدنيا تمم [١] له ذلك في الآخرة. واختار ابن جرير أن تقدير الكلام: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا﴾ على إحسانه، فكأنه جعل "الذي" مصدرية، كما قيل في قوله تعالى: ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ أي: كخوضهم، وقال ابن رواحة:

فثبَّت الله ما أتاك من حَسَنٍ … في المرسلين ونَصْرًا كالذي نُصِروا

وقال آخرون: "الذي" ها هنا بمعنى الذين.

قال ابن جرير [٢]: وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها: (تمامًا على الذين أحسنوا).

وقال ابن أبي نجيح، عن [٣] مجاهد: ﴿تمامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ قال: على المؤمنين والمحسنين. وكذا قال أبو عبيدة، وقال البغوي: المحسنون الأنبياء والمؤمنون، يعني: أظهرنا فضله عليهم.

قلت: كقوله تعالى: ﴿قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾ ولا يلزم اصطفاؤه على محمد خاتم الأنبياء والخليل لأدلة أخرى [٤].

قال ابن جرير (٣٥٨): وروى أبو [٥] عمرو بن العلاء، عن يحيى بن يعمر: أنه كان يقرؤها: (تماما على الذي أحسنُ) رفعًا بتأويل على الذي هو أحسن. ثم [٦] قال: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح.


(٣٥٨) - في تفسيره ابن جرير (١٢/ ١٤١٧٧) موصولًا بإسناده إلى أبي عمرو بن العلاء.