للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ببر الآباء والأجداد، عطف على ذلك الإِحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم، كما سولت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية [١] الافتقار، ولهذا ورد [٢] في الصحيحين (٣٢٩): من حديث عبد الله بن مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"، قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك"، ثم تلا رسول الله : ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا] [٣]﴾.

وقوله تعالى: ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، وغيره [٤]: هو الفقر، أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة الإِسراء [٥]: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ أي: [لا تقتلوهم خشية] [٦] حصول فقر في الآجل، ولهذا قال هناك [٧]: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم فرزقهم على الله، وأما هنا [٨] فلما كان الفقر حاصلًا قال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ لأنه الأهم هاهنا والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، وقد تقدم تفسيرها في قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ [٩] الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾، وفي الصحيحين (٣٣٠): عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "لا أحد أغير من الله؛ من أجل ذلك حرم الفواحش ما


= ذلك الهيثمي في "المجمع" (٤/ ٢٢٠) فقال: "فيه يزيد بن سنان الرهاوي وثقه البخاري وغيره والأكثر على تضعيفه، وبقية رجاله ثقات"، وشاهد ثالث في حديث أم أيمن عند البيهقي في "السن" (٧/ ٣٠٤) لكن فيه انقطاع أيضًا، وقد صحح الألباني حديث معاذ لهذه الشواهد فانظر "الإرواء" (٧/ رقم ٢٠٢٦).
(٣٢٩) - تقدم تخريجه [سورة البقرة/ آية ١٦٥].
(٣٣٠) - يأتي تخريجه [سورة الأعراف/آية / ٣٣/ ح رقم ٦٦].