قال: فكلم رسول الله ﷺ منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، و [١] السيد الأيهم، وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم؛ يقولون: هو الله. ويقولون: هو ولد الله. ويقولون: هو ثالث ثلاثة. تعالى الله [عن قولهم علوًّا كبيرًا][٢] وكذلك قول [٣] النصرانية فهم يحتجون في قولهم هو الله بأنه كان يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص و] [٤] الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ [٥] فيه فيكون طيرًا [٦]، وذلك كله بأمر الله، وليجعله الله [٧] آية للناس.
ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله، يقولون: لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله.
ويحتجون على [٨] قولهم بأنه ثالث ثلاثة: بقول الله تعالى: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون: لو كان واحدًا ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت، ولكنه هو وعيسى ومريم-[تعالى الله وتقدّس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرا،][٩] وفي كل ذلك من قولهم: [قد نزل][١٠] القرآن.
فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله ﷺ:"أسلما". قالا: قد أسلمنا. قال:"إنكما لم تسلما فأسلما". قالا: بلى قد أسلمنا قبلك. قال:"كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما [١١] لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير". قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله ﷺ عنهما [١٢] فلم يجبهما، فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
ثم تكلم ابن إسحاق على تفسيرها [١٣] إلى أن قال (١٣٢): فلما أتى رسول الله ﷺ الخبر من الله والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم، أن ردّوا ذلك عليه، دعاهم إلى ذلك فقالوا: يا أبا القاسم؛ دعنا ننظر في أمرنا. ثم نأتيك بما نريد [١٤] أن نفعل [١٥] فيما دعوتنا