يقول [جل وعلا][١]: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أب ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [فإن الله تعالى][٢] خلقه من غير أب ولا أم، بل ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)[الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ][٣]﴾ فالذي [٤] خلق آدم [من غير أب][٥] قادر على [أن يخلق][٦] عيسى بالطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادّعاء البنوة [٧] في عيسى لكونه [٨] مخلوقًا من غير أب، فجواز ذلك في [٩] آدم بالطريق الأولى، ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل، فدعواها [١٠] في عيسى أشدّ بطلانًا وأظهر فسادًا، ولكن الرب [ﷻ][١١] أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم، لا من ذكر ولا من أنثى، وخلق حوّاء [١٢] من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى، ولهذا قال تعالى في سورة مريم: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ وقال هاهنا: (﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ [١٣] مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ أي: هذا [هو القول][١٤] الحق في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه، وماذا بعد الحق إلا الضلال.
ثم قال تعالى آمرًا رسوله ﷺ أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا [١٥] جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ أي: نحضرهم في حال المباهلة ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ أي: نلتعن ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ أي: منا أو [١٦] منكم.
وكان سبب نزول [١٧] المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران: [أن النصارى لما][١٨] قدموا، فجعلوا يحاجون في عيسى، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية، فأنزل الله صدر هذه السورة [١٩] ردًّا عليهم، كما ذكره الإِمام محمد بن إسحاق بن يسار
[١]- في ز، خ: "تعالى". [٢]- في ت: حيث. [٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: ت. [٤]- في ز، خ: "والذي". [٥]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ. [٦]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "خلق". [٧]- في ز: "النبوة". [٨]- في ز: "بكونه". [٩]- في خ: "من". [١٠]- في خ: "فدعواه". [١١]- في ز، خ: "﷿". [١٢]- في ز: "حوى". [١٣]- في خ: "تكونن". [١٤]- في ز: "القول هو". [١٥]- سقط من: ز. [١٦]- في ت: "و". [١٧]- في ز، خ: "هذه". [١٨]- في ز، خ: "النصارى حين". [١٩]- في ز: "الصورة".