للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الروم، فلجئوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ولا يزال الإسلام وأهله [١] فوقهم إلى يوم القيامة. وقد أخبر الصادق المصدوق أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية (١٢٨) ويستفيئون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدًّا لم ير الناس مثلها، ولا يرون بعدها نظيرها، وقد جمعت في هذا جزءًا مفردًا. ولهذا قال تعالى: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ [أي يوم القيامة] [٢] ﴿فَأَحْكُمُ بَينَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ وكذلك فعل تعالى بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه [أو أطراه] [٣] من النصارى؛ عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي [٤] وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك، وفي الدار الآخرة عذابهم أشد وأشق ﴿وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ [٥] أُجُورَهُمْ﴾ أي: في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا بالنصر والظفر، وفي الآخرة بالجنات العاليات ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ أي: هذا الذي قصصناه [٦] عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره هو مما قاله الله [٧] تعالى وأوحاه إليك وأنزله عليك من اللوح المحفوظ، فلا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى في سورة مريم: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وهاهنا قال تعالى:

﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إلا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا


(١٢٨) - رواه أحمد (٢/ ١٧٦) من حديث عبد الله بن عمرو، وصححه الحاكم (٣/ ٤٢٢) (٤/ ٥٠٨) ووافقه الذهبي، وأقرهما الألباني في الصحيحة (٤/ ١).