للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء [بمعجزة تناسب] [١] أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى السحر وتعظيم السحرة، فبعثه الله بمعجزات [٢] بهرت الأبصار، وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار، انقادوا للإسلام وصاروا من [عباد الله] [٣] الأبرار. وأما عيسى فبعث في زمن الأطباء وأصحَاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه، إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة.

فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد [٤]؟؟.

وكذلك محمد بعث [٥] في زمان [٦] الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله، ﷿، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله لم يستطعوا أبدًا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وما ذاك إلا لأن كلام الرب ﷿ لا يشبهه [٧] كلام الخلق أبدًا.

وقوله: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ أي: أخبركم بما أكل أحدكم الآن، وما هو مدخر [في بيته لغداه] [٨] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: في ذلك كله ﴿لآيَةً لَكُمْ﴾ أي: على صدقي فيما جئتكم به ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ أي: مقرًّا [٩] لها ومثبتًا [١٠]، ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيكُمْ﴾ فيه دلالة على أن عيسى نسخ بعض شريعة التوراة، وهو الصحيح من القولين، ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئًا، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون [١١] فيه فأخطئوا، فكشف [١٢] لهم عن المغطى في ذلك، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾، والله أعلم.

ثم قال: ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي: بحجة ودلالة على صدقي فيما أقول لكم ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ أي: أنا وأنتم سواء في العبودية له،


[١]- في ت: "بما يناسب".
[٢]- في ز: "بمعجزة".
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.
[٤]- في ز: "التناده".
[٥]- في ز: "بعثه".
[٦]- في ز: "زمن".
[٧]- في خ: "يشبه".
[٨]- في ت: "له في بيته لغد".
[٩]- في ز: "مقرر".
[١٠]- في ز: "مثبت".
[١١]- في ز: "يتنازعوا"
[١٢]- في خ: "وكشف".