وجه الاستدلال من الأحاديث: أن النهي في الأحاديث عن لبس المُعَصْفَر محمول على الكراهة؛ لقرينة بيان الجواز في الدليل الآتي (٢).
الدليل الثالث: عن البراء -رضي الله عنه- قال:((كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَرْبُوعاً (٣)، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ (٤) حَمْرَاءَ، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ)) (٥).
وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لبس حلة حمراء، والمُعَصْفَر هو المصبوغ بالعصفر وهو صبغ أحمر، فدل فِعله -صلى الله عليه وسلم- أنه أراد أن يعلم أمته أن النهى عن المُعَصْفَر لم يكن على وجه التحريم للبسه، ولكن على وجه الكراهية، ولَبسه بياناً للجواز (٦).
نُوقش: بأن النهي عما صُبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صُبغ غزله ثم نُسج: فغير داخل في النهي، والحُلل إنما هي برود اليمن: حمر وصفر وخضر وما بين ذلك من الألوان، وهي لا تُصبغ بعد النسج، ولكن يُصبغ الغزل، ثم يُتخذ منه الحلل (٧).
أُجيب عنه: بأن هذا التفريق يحتاج إلى دليل خارجي (٨).
الدليل الرابع: عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا أرْكَبُ
(١) أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب السهو، ذكر ما ينقض الصلاة، وما لا ينقضها، النهي عن القراءة في الركوع (١/ ٣٢٥) برقم: (٦٣٤). (٢) يُنظر: إكمال المعلم (٦/ ٥٩٠)، فتح الباري، لابن رجب (٢/ ٤٤٠). (٣) مَرْبُوعاً: رجل ربعة: أي مربوع الخلق: لا طويل ولا قصير. يُنظر: الصحاح (٣/ ١٢١٤)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٢/ ١٩٠)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٢٨/ ٢٨). (٤) الحُلَّة: واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تُسمى حُلَّة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد، وهي إزار ورداء. يُنظر: الصحاح (٤/ ١٦٧٣)، النهاية في غريب الحديث والأثر (١/ ٤٣٢). (٥) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب الثوب الأحمر (٧/ ١٥٣) برقم: (٥٨٤٨)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- (٤/ ١٨١٨) برقم: (٢٣٣٧). (٦) يُنظر: إكمال المعلم (٦/ ٥٩٠)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (٩/ ١٢٣). (٧) يُنظر: معالم السنن (٤/ ١٩٣). (٨) يُنظر: مرقاة المفاتيح (٧/ ٢٧٧١).