محمولٌ على الكراهة، وهي كراهة تنزيه (١)؛ للقرائن الصارفة التي دلت على عدم الوجوب.
[المطلب الثاني: القرائن الصارفة عن التحريم]
حَمَل الفقهاء الأمر على الندب والنهي على الكراهة؛ بدليل القرائن التالية:
القرينة الأولى: ورود النص:
وذلك في حديث الأعرابي الذي سأل عن الإسلام وما يجب عليه:((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ)) (٢)، فجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- دليل على عدم وجوب غير الخمس، وتلك قرينة تدل أن تحية المسجد ليست واجبة، وأن النهي ليس للتحريم (٣).
القرينة الثانية: ورود النص وفيه الأمر بخلاف مقتضى النهي.
حديث عبد الله بن بُسْر -رضي الله عنه- (٤): ((جاء رَجلٌ يَتَخَطَّى رقاب النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ، فَقَالَ له النبي -صلى الله عليه وسلم-: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ)) (٥)، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالجلوس، ولم يأمره أن يصلي تحية المسجد، فدل على أن النهي عن الجلوس قبل أن يصليها ليس للتحريم (٦).
(١) يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (٥/ ٢٢٦). (٢) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام (١/ ١٨) برقم: (٤٦)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (١/ ٤٠) برقم: (١١). (٣) يُنظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٣٣٤). (٤) هو: عبد الله بن بُسْر المازني، من مازن بن منصور بن عكرمة، يكنى أبا بسر، وقيل: أبا صفوان، صلى القبلتين، وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على رأسه ودعا له، صحب النبي -صلى الله عليه وسلم-: هو، وأبوه، وأمه، وأخوه عطية، وأخته الصماء، تُوفي سنة ٨٨ هـ، وقيل: مات بحمص سنة ٩٦ هـ أيام سليمان بن عبد الملك، وعمره مائة سنة، وهو آخر مَنْ مات بالشام من الصحابة. يُنظر: أسد الغابة (٣/ ١٨٥)، تهذيب التهذيب (٥/ ١٥٩). (٥) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة (٢/ ٣٣٤) برقم: (١١١٨)، والنسائي في السنن الصغرى، كتاب الجمعة، باب النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة (٣/ ١٠٣) برقم: (١٣٩٩)، وأحمد (٢٩/ ٢٢١) برقم: (١٧٦٧٤)، صححه ابن خزيمة (١/ ٧٠٣)، وابن حبان (٧/ ٣٠)، وابن الملقن في (البدر المنير) (٤/ ٦٨٠). (٦) يُنظر: عمدة القاري (٤/ ٢٠٢).