والآثار الصحاح هي الواردة بالإباحة … كلهم يقول: إن الرجال كانوا يتطهرون مع النساء جميعاً من إناء واحد، وأن عائشة كانت تفعل ذلك وميمونة وغيرهما من أزواجه -صلى الله عليه وسلم-، وعلى ذلك جماعة أئمة الفتوى، وقد رُوي عن بن عباس أنه سُئل عن فضل وضوء المرأة فقال:((هن ألطف بناناً وأطيب ريحاً)) (١)، وهذا منه جواب بجواز فضلها على كل حال» (٢).
سبب الاختلاف: قال القرطبي -رحمه الله-: «سبب هذا الاختلاف: اختلافهم في تصحيح أحاديث النهي الواردة في ذلك، ومَن صححوها اختلفوا أيضاً في الأرجح منها، أو مما يعارضها، كحديث ميمونة أنه -عليه الصلاة والسلام-: كان يغتسل بفضلها، وكحديث ابن عباس الذي خرَّجه الترمذي وصححه»(٣).
الترجيح:
بعد عرض أدلة الأقوال ومناقشتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- القول الأول القائل بجواز اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة، وهو قول الجمهور.
قال الإمام مالك -رحمه الله- في اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة:« … ولا خير في هذا التقزز والتنجس، إنما هو من الشيطان»(٤).
أسباب الترجيح:
١ - قوة الأدلة التي استدل بها الجمهور وصحتها وصراحتها في الدلالة.
٢ - اضطراب أدلة المانعين، وورود المناقشات عليها.
نقل ابن حجر -رحمه الله- في (الفتح) عن الامام أحمد -رحمه الله- قوله:«إن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل وضوء المرأة وفي جواز ذلك، مضطربة»(٥).
[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]
تبين مما سبق أن من الفقهاء مَنْ ذهب إلى حمل النهي على الكراهة، والذي يظهر
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ٣٨) برقم: (٣٤٨). (٢) الاستذكار (١/ ١٧٠). (٣) المفهم (١/ ٥٨٣)، ويُنظر: بداية المجتهد (١/ ٣٨). (٤) البيان والتحصيل (١/ ١١٤). (٥) فتح الباري (١/ ٣٠٠).