الذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف للنهي عن التحريم القرائن التالية:
القرينة الأولى: أن النهي عنه في حال دون حال.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «أصل النهي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كل ما نهى عنه فهو محرم، حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه لمعنى غير التحريم: إما أراد به نهياً عن بعض الأمور دون بعض … »(١).
ذلك أن النهي عن قيام ليلة الجمعة مقيد بتخصيصه وتحريه، دون غيره من الليالي، فأما إن كانت عادة المرء القيام سائر الليالي: فلا يُمنع من قيام ليلة الجمعة، وذلك اتباعاً لعادته، ويشير إلى هذا المعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من بين الليالي) فنهى عنه حال تخصيصه دون غيره من الليالي؛ فجوازه في حال دون حال: أي جوازه في حال عدم التخصيص ومنعه في حال التخصيص: قرينة على حمل النهي على الكراهة.
ويؤيد ذلك: اعتبار هذه القرينة في النهي عن صيام يوم الجمعة كما في قوله: (إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم): أي: إذا وافق يوم الجمعة صياماً اعتاده فلا يُمنع، فتجويز الصيام في حال دون حال قرينة لصرف النهي عن التحريم، والله أعلم.
جاء في فتاوى الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- الإشارة إلى هذا الصارف في مسألة تخصيص يوم الجمعة بصيام: فحُمل به النهي على الكراهة لا التحريم، حيث سُئل:«إذا كان الأصل في النهي التحريم، فلِم صار في الجمعة للكراهة؟ فأجاب: لعله لكونه رُخص في الشرع في صيامه وصيام يومٍ معه، فلو كان حراماً لما ساغ صومه بالكلية»(٢).
القرينة الثانية: القياس:
قال علي القاري -رحمه الله-: «قوله: (إلا أن يكون في صوم) تقديره: إلا أن يكون يوم الجمعة واقعاً في يوم صوم (يصومه أحدكم)، أي: من نَذْرٍ أو وِرد.
الظاهر أن الاستثناء من ليلة الجمعة كذلك، ولعله ترك ذِكره للمقايسة، والله
(١) الأم (٧/ ٣٠٥). (٢) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (٤/ ٢٠٦).