بعد عرض الأقوال وأدلتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- هو قول الجمهور القائل بتحريم تخليل الخمر.
قال ابن عبد البر -رحمه الله-: «لا يصح في هذه المسألة إلا ما قاله: مالك، والشافعي، وأحمد ابن حنبل، ومَن قال بقولهم: أنه لا يحل تخليل الخمر، ولا تُؤكل إن خللها أحد، ولكن إن عادت خلاً بغير صنع آدمي، فحلالٌ أكلها»(١).
أسباب الترجيح:
١ - أنه القول الموافق لما جاء في السنة الصحيحة الصريحة.
٢ - أن الشريعة جاءت بالتغليظ في شأن الخمر: فأمرت بإهراقها، ولعنت فيها عشرة، وهذا يؤكد وجوب اجتنابها وعدم مقاربتها ولو بالاستصلاح.
٣ - ضعف الأقوال الأخرى، وورود المناقشة عليها.
[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]
تبيَّن مما سبق أن من الفقهاء مَنْ حمل النهي على غير التحريم، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف له القرائن التالية:
القرينة الأولى: ورود النص بما يخالف مقتضى النهي.
وذلك في حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا أَقْفَرَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ أُدْمٍ فِيهِ خَلٌّ، وَخَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ)) (٢).
وحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ الدِّبَاغَ يُحِلُّ مِنَ الْمَيْتَةِ كَمَا يُحِلُّ الْخَلُّ مِنَ الْخَمْرِ)) (٣).
القرينة الثانية: قاعدة سد الذرائع.
قالوا: إنما نهي عن التخليل؛ لسد ذريعة التوصل لشرب الخمر، وعليه: فلا يكون النهي للتحريم، وإنما للتنزيه.
(١) الاستذكار (٨/ ٢٩). (٢) سبق تخريجه: ص (٢١٨). (٣) سبق تخريجه: ص (٢١٩).