لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب [١] ، ينحدر عنه السيل، ولا ترقى إليه الطير، ولكني سدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء [٢] ، أو أصبر على طخياء [٣] يرضع فيها الصغير، ويدبّ فيها الكبير، ويكدح مؤمن، حتى أوان أرى تراث ابن أمّي نهبا، فرأيت الصّبر على هاتا أحجى [٤] ، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا [٥] ، إلى أن حضرته الوفاة [٦] ، فأدلى بها إلى عمر، فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في حياته، إذ تقلدها الآخر من بعد وفاته، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها، ثم تمثّل:[٧][السريع]
شتّان ما يومي على كورها ... ويوم حيّان أبو جابر [٨]
فجعلها في ناحية خشناء يجفو مسّها، ويغلظ كلمها، ويكثر العثار والاعتذار منها [فصاحبها] كراكب الصّعبة [٩] ، إن أشنق لها خرم [١٠] ، وإن أسلس لها عسف [١٨٣ ظ] فمني الناس بخبط وشماس [١١] ، وتلوّن واعتراض، إلى أن حضرته الوفاة، فجعلها شورى بين ستة [١٢] زعم أنّي
[١] نهج البلاغة: (محل القطب من الرحى) . [٢] جذاء: مقطوعة. [٣] طخياء مظلمة شديدة الظلام. [٤] أحجى: أجدر وأخلق. [٥] الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه. [٦] يريد وفاة أبي بكر الصديق. [٧] البيت للأعشى في ديوانه ص ١٩٧، تحقيق محمد محمد حسين، ط بيروت. ١٩٨٣ [٨] في الديوان: (أخي جابر) . [٩] الصعبة من الإبل: ما ليست بذلول. [١٠] أشنق لها: كفه بزمامه. خرم: خرم أنف الناقة، شقه وقطعه. [١١] مني الناس: ابتلوا. الخبط: السير على غير جادة. الشماس: العناد وإباء ظهر الفرس عن الركوب. [١٢] الستة الذين رشحهم عمر للخلافة قبل وفاته هم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص.