العباس بن هشام عن أبيه عن معروف بن خربوذ [١] المكي، قال:
قحطت بلاد قيس [٢] ، فلم يكن لها مرعى، ولم تنبت كلا، فاجتمعت قيس للمشهورة وإجالة الرأي، فقالت فرقة منهم: انتجعوا [٣] وادي تميم وبلاد بني العنبر، وقالت فرقة: إنّ تميما عدد كبير لا يفضل منهم ما يكفيكم، وقالت فرقة: لينتجع كل ولد أب منكم ولد أب من غيركم، فاعقدوا بينكم وبينهم حلفا يشركوكم في ريفهم، فقام رجل مجتمع الخلق، حسن الوجه، جيد الرأي [فقال][٤] : إنّ سيد البطحاء استسقى فسقي، واستشفع فشفّع، فاجعلوا قصدكم إليه، واعتمادكم عليه، فأنه أنجح للطلب، وأقرب للسبب. فارتحلت قيس وأسد وهذيل ومن داناهم [٥٤ ظ] من مضر، حتى دخلوا على عبد المطلب بن هشام [٥] ، فسلموا عليه وعظموه، فقال لهم: أفلحت الوجوه، فتكلم ذلك الرجل المشير، فقال: يا أبا الحارث، نحن ذوو أرحامك الواشجات [٦] ، أصابتنا سنون مجدبات، أفقرن الغنيّ منا، وأهزلن السمين من شائنا وإبلنا، وقد بلغنا خبرك، وبان لنا أثرك، فاشفع لنا إلى مشفّعك، فقال: بالرحب
[١] معروف بن خربوذ المكي: مولى عثمان، روى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، وغيرهما، وذكره ابن حبان في الثقات. (تهذيب التهذيب ١٠ (٢٣٠- ٢٣١) . [٢] قيس: قيس عيلان بن مضر بن نزار من عدنان، جد جاهلي، بنوه قبائل كثيرة منها هوازن وسليم وغطفان وفهم وعدوان وغني وباهلة. (جمهرة- زنساب العرب ص ٤٨٠- ٤٨٣) . [٣] انتجعوا: طلبوا الكلأ في مواضعه. [٤] ما بين معقوفتين زبادة يقتضيها السياق. [٥] عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف: أبو الحارث، زعيم قريش في الجاهلية، وأحد سادات العرب ومقدميهم، كانت له السيادة والرفادة، وهو جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: اسمه شيبة، و (عبد المطلب) لقب غلب عليه، توفي بمكة سنة ٤٥ ق هـ/ ٥٧٩ م. (الطبري ٢/١٧٦، تاريخ الخميس ١/٢٥٣، سيرة ابن هشام ٤/٥٧) . [٦] الواشجات: الأرحام المشتبكة المتصلة. المجموع اللفيف* ٦