- (فاتضح أن رواية فاقدروا له، هي مثل رواية: فاقدروا له ثلاثين، وهما بمعنى: فأتموا العدة ثلاثين، وفي التنزيل:{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي: تماماً)(١)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فاقدروا له»(معناه عند المحققين فأكملوا المقدار)(٢)، وعلى ذلك (جمهور السلف والخلف إلى أن معناه: قدروا له تمام العدد ثلاثين)(٣)، ف (المطلق يحمل على المقيد؛ ولأن معناه اقدروا له قدره، أي: مقداره وهو ثلاثون، لذلك لا يجئ شهر تسعة وعشرين إلا ناقصاً)(٤).
- وأقرب من تأويله بالحساب -على ضعفه- ما (تأولت الحنابلة قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فاقدروا له» على الضيق، أي ضيقوا عدة شعبان بصوم رمضان، بأن يجعل تسعاً وعشرين، وهذا يرده قوله في الحديث الآخر:«فأكملوا العدة ثلاثين»، ولهذا أورد مالك في "الموطإ" هذا الحديث عقيب الأول لينبه على أنه كالمفسر له، وقَفَا البخاري أثره في ذلك) (٥).
- وأما تأويل ابن سريج بأن قوله:«فاقدروا له» خطاب لمن خصه الله بعلم الحساب فـ (لا يخفى بعده)(٦)، (ولم يوافقه الناس على هذا)(٧)، و (هو تحكم محجوج بالإجماع)(٨)، وليس في السُّنة (خطابان لأمتين إحداهما العددية، والثانية عامة الناس، فكأن وجوب رمضان جعله مختلف الحال، يجب على قوم بحساب
(١) فقه النوازل (٢/ ٢٠٩ - ٢١٠). (٢) أحكام القرآن لابن العربي (١/ ١١٨). (٣) شرح النووي على مسلم (٧/ ١٨٦). (٤) الذخيرة (٢/ ٤٩٣). (٥) البحر المحيط في أصول الفقه (٧/ ٥٧). (٦) المرجع السابق. (٧) مشارق الأنوار (٢/ ١٧٣). (٨) شرح الزرقاني على الموطأ (٢/ ٢٢٧).