- قصة بنائه -صلى الله عليه وسلم- بصفية بنت حيي، وقول الناس: لا ندري أتزوجها، أم اتخذها أم ولد؟، ثم قالوا:(إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه)(١)، ففيه: التفريق بين الحرائر والإماء في الحجاب، وأن الحجاب غير خاص بأمهات المؤمنين بل الحرائر مثلهن، قال ابن قدامة:(وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضاً بينهم مشهوراً، وأن الحجب لغيرهن كان معلوماً)(٢).
- وهذا الحكم يدل عليه أيضاً قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}(٣)، ودلالتها على عدم الخصوصية بأمهات المؤمنين ظاهرة، ودلالتها على أن هذا هو حكم الحرائر من قوله:(أزواجك، وبناتك، ونساء المؤمنين)(٤)، وقال ابن جرير في تفسير الآية: (لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من
(١) أخرجه البخاري (٤٢١٣)، ومسلم (١٣٦٥)، ولفظ مسلم: (إن حجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد). (٢) المغني (٧/ ١٠٣). (٣) من الآية (٥٩) من سورة الأحزاب. (٤) قال ابن تيمية في شرح العمدة- الصلاة ص (٢٧١) عن الإماء: (ولسن داخلات في نساء المؤمنين بدليل أن قوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ}، وقوله: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}، وقوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}، إنما عنى به الأزواج خاصة)، وقال في الفتاوى (١٥/ ٤٤٨): ( … الآية: دليل على أن الحجاب إنما أمر به الحرائر دون الإماء؛ لأنه خص أزواجه وبناته، ولم يقل وما ملكت يمينك وإمائك وإماء أزواجك وبناتك ثم قال: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} والإماء لم يدخلن في نساء المؤمنين كما لم يدخل في قوله: {نِسَائِهِنَّ} ما ملكت أيمانهن حتى عطف عليه في آيتي النور والأحزاب … وأيضا فقوله: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}، وقوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}، إنما أريد به الممهورات دون المملوكات فكذلك هذا، فآية الجلابيب في الأردية عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن).