- أما مانقله عن ابن المبارك (ت ١٨١)، فلا علاقة له بمسألتنا؛ وإنما هو في عقوبةٍ من عقوبات ترك الغزو، وأن من فعل ذلك «مات على شعبة من النفاق»، فابن المبارك:(حمله على النفاق الحقيقي)(١) وخصه بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال النووي:(وهذا الذى قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره: إنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد فى هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق)(٢).
- ما علاقة هذا بوجوب جهاد الطلب أو مشروعيته؟!
- ورحم الله الإمام ابن المبارك لو حاول خرق الإجماع بغيره؛ لأن من أخص صفاته التي يشاد بها الغزو، كما قال الذهبي:(الحافظ، الغازي، أحد الأعلام)(٣)، وما أبياته (ياعابد الحرمين لو أبصرتنا … ) التي فيها نصح لعياض بالغزو، إلا من شواهد ذلك.
- وأما مانقله عن بعض الصحابة والتابعين بأن: الجهاد تطوع غير فرض، فهذا -كما سبق- تفريع على إثبات مشروعية الطلب بعد إنكاره له، وليس هذا هو النزاع، وفرق بين من يقول: جهاد الطلب مندوب كماهو قول بعض السلف، ومن يقول: جهاد الطلب محرّم كما هو قول بعض المعاصرين، وحتى يتبين الفرق: لو دعا ولي الأمر إلى الغزو، فإنه يتعين على الرأي الأول وهو إجماع، وعلى الرأي المُحدث لايجاب؛ لأنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق (٤)!
(١) إكمال المعلم (٦/ ٣٣٥). (٢) شرح النووي على مسلم (١٣/ ٥٦). (٣) سير أعلام النبلاء (٨/ ٣٧٩). (٤) انظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (١/ ٩٠٨).