فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من عند اللَّه، فعبدنا اللَّه وحده لا شريك له، ولم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا.
فعدا علينا قومنا، فعذبونا ليفتنونا عن ديننا، ويردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة اللَّه، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث.
فلما قهرونا وظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك!
قالت: فقال النجاشي: هل معك شيء مما جاء به؟
فقرأ عليه صدرًا من ﴿كهيعص﴾، فبكى -واللَّه- النجاشي حتى اخضَلَّتْ لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم [حين سمعوا ما تلا عليهم]) (١).
ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى؛ انطلقوا راشدين، لا واللَّه؛ لا أردهم عليكم، ولا أنعمكم عينًا.
فخرجنا من عنده، وكان أبقى الرجلين فينا عبد اللَّه بن [أبي] ربيعة، فقال عمرو بن العاص: واللَّه؛ لآتينه غدًا بما أستأصل به خضراءهم، ولأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد -عيسى ابن مريم- عبد!
فقال له عبد اللَّه بن [أبي] ربيعة: لا تفعل؛ فإنهم وإن كانوا خالفونا فإن لهم رحمًا، ولهم حقًّا.
(١) إلى هنا تنتهى رواية زياد، وهي في "سيرة ابن هشام" (١/ ٣٥٩ - ٣٦٠)، والزيادة منه.