فأتيت زمزم فشربت من مائها، وغسلت عني الدم، ودخلت بين الكعبة وأستارها، فلبثت به ابنَ أخي! ثلاثين من بين يوم وليلة؛ وما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سُخْفة جوع (١).
قال: فبينا أهل (مكة) في ليلة قمراء إضحيان، فضرب اللَّه على أصمخة أهل (مكة)، فما يطوف بالبيت غير امرأتين، فأتتا عليَّ وهما تدعوان (إساف)(ونائلة)، فقلت: أنكحوا أحدهما الآخر! فما ثناهما ذلك، قال: فأتتا عليَّ، فقلت: وَهَنٌ مثل الخشبة. غير أني لم أَكْنِ (٢).
قال: فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا!
قال: فاستقبلهما رسول اللَّه ﷺ وأبو بكر وهما هابطان من الجبل، فقال:"ما لكما؟ ". فقالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قالا:"ما قال لكما؟ ". قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم!
قال: فجاء رسول اللَّه ﷺ هو وصاحبه حتى استلم الحجر، فطاف بالبيت، ثم صلى.
قال: فأتيته، فكنت أول من حياه بتحية أهل الإسلام، فقال:
"عليك السلام ورحمة اللَّه (٣)، ممن أنت؟ ".
(١) بفتح السين وضمها، وهي: رقة الجوع وضعفه وهزاله. (٢) الأصل: "وهنَّ مثل الخشبة. غير أني لم أركن"! والتصويب من "المسند"، ونحوه في "مسلم". و (الهن) و (الهنة) بتخفيف نونهما هو: كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر، فقال لهما أو مثل الخشبة في الفرج، وأراد بذلك سب إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك. نووي. (٣) كذا الأصل، وفي "المسند": "عليك ورحمة اللَّه"، وفي مسلم: "وعليك. . .".