وقال البخاري (١٤) عند تفسيرها أيضًا: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي، عن العوام؛ قال: سألت مجاهدًا عن سجدة "ص"؟ فقال: سألت ابن عباس: من أين سَجَدْتَ؟ فقال: أو ما تقرأ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ﴾، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾، فكان داود ﵇ ممن [١] أمِرَ نَبيّكم ﷺ أن يقتدى به، فسجدها داود ﵇ فسجدها رسول الله ﷺ.
وقال الإمام أحمد (١٥): حدثنا عفان، حدثنا يزيد بن زُرَيع، حدثنا حميد، حدثنا بكر -هو ابن عبد الله المزني- أنه أخبره: أن أبا سعيد الخدري رأى رؤيا أنه يكتب "ص"، فلما بلغ إلى التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدًا. قال [٢]: فقصها على النبي ﷺ، فلم يزل يسجد بها بعد. تفرد به أحمد.
وقال أبو داود (١٦): حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، عن أبي سعيد الخُدْري ﵁ قال: قرأ رسول الله ﷺ وهو علي المنبر ﴿ص﴾، فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تَشَزَّن (*) الناس للسجود فقال: "إنما هي توبه نبي، ولكني رأيتكم تشزَّنتم [٣] ". فنزل وسجد وسجدوا [٤]. تفرد به أبو داود، وإسناده على شرط الصحيح.
وقوله: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أي: وإن له يوم القيامة لقربة يُقَرِّبه الله، ﷿، بها، وحسن مرجع، وهو الدرجات العاليات في الجنة، لنبوته [٥] وعدله التام في ملكه، كما جاء في الصحيح:"المقسطون علي منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يقسطون في أهليهم وما وُلُّوا".
(١٤) - صحيح البخاري في التفسير، باب: سورة ص، حديث (٤٨٠٧)، وانظر أيضًا الحديث رقم (٤٨٠٦)، والحديث في مسند أحمد (١/ ٣٦٠) أيضًا من طريق يحيى بن أبي غنية عن العوام بن حوشب به. (١٥) - المسند (٣/ ٧٨)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٢/ ٢٨٧): رجاله رجال الصحيح. (١٦) - سنن أبي داود في الصلاة، باب السجود في (ص) حديث (١٤١٠). وأخرجه الدارمي (١٤٧٤)، (١٥٦٢)، وابن خزيمة (١٤٥٥) (١٧٩٥) من طريق سعيد بن أبي هلال به. (*) التشزن: التأهب والتهيؤ للشيء، والاستعداد له. النهاية (٢/ ٤٧١).