للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرهم، وبَصرهم الطريق الذي ضل عنه وحاد عنه مَن سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأشياعهم من الطغام (*). وأما رحمته بهم في الآخرة فآمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار، وما ذاك إلا لمحبته [١] لهم ورأفته بهم.

قال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عديّ، عن حميد، عن أنس قال: مر رسول الله في نفر من أصحابه وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني! ابني! وَسَعَت فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار. قال: فَخَفَّضهم رسول الله وقال: "لا والله لا يلقي حبيبه في النار".

إسناده على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة (١٤٦)، ولكن في صحيح الإمام البخاري، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن رسول الله رأى امرأة من السبي قد أخذت صبيًّا لها، فألصقته إلى صدرها، وأرضعته فقال: "أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ ". قالوا: لا. قال: "فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها" (١٤٧).

وقوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾، الظاهر أن المراد -والله أعلم- ﴿تَحِيَّتُهُمْ﴾ أي: من الله تعالى يوم يلقونه ﴿سَلَامٌ﴾، أي: يوم يسلم عليهم كما قال تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾.

وزعم قتادة أن المراد أنهم يتحون [٢] بعضهم بعضًا بالسلام يوم يلقون الله في الدار الآخرة، واختاره ابن جرير.

قلت: وقد يستدل له بقوله تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾.


(*) الطغام: أراذل الناس وأوساخهم.
(١٤٦) المسند (٣/ ١٠٤). ورواه الحاكم (٤/ ١٧٧) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه الحاكم أيضًا (١/ ٥٨) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ورواه أحمد ١٣٤٩٢ - (٣/ ٢٣٥). وأبو يعلى حديث ٣٧٤٨ - (٦/ ٣٩٨). وذكره في مجمع الزوائد (١٠/ ٣٨٣) وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه وأبو يعلى ورجالهم رجال الصحيح.
وللحديث شاهد من حديث عمر بن الخطاب عند البخاري في كتاب الأدب، باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته حديث ٥٩٩٩.
(١٤٧) صحيح البخاري برقم (٥٩٩٩).