بل وفي كل مقام - محمد رسول الله ﷺ، فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب، إلى جميع أنواع بني آدم، وأظهر الله كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع، فإنه قد كان النبي ييعث إلى قومه خاصة، وأما هو - صلوات الله وسلامه عليه - فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُمْ جَمِيعًا﴾، ثم ورَّث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه ﵃ بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقوال وأفعاله وأحوال، في ليله ونهاره، وحَضره وسفره، وسره وعلانيته، فرضى الله عنهم وأرضاهم. ثم ورثه كُلّ خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون. فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم.
قال الإِمام أحمد (١٢٣): حدَّثنا ابن نمير، أخبرنا الأعمش، عن عمرلي بن مُرّة، عن أبي البَخْتَرِيّ، عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يَحْقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقال ثم لا يقوله، فيقول الله: ما يمنعك أن تقول فيه [١]؟ فيقول: رب، خشيت الناس، فيقول: فأنا أحق أن يخشى".
ورواه أيضًا عبد الرزاق عن الثوري عن زبيد عن عمرو بن مرة.
ورواه ابن ماجة عن أبي كريب عن عبد الله بن نمير وأبي معاوية كلاهما عن الأعمَش به.
وقوله: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، نهى أن يقال بعد هذا:"زيد بن محمد"، أي: لم يكن أباه وإن كان قد تبناه، فإنه - صلوات الله عليه وسلامه - لم يعش له ولد ذكر حتَّى بلغ الحلم، فإنه ولد له القاسم، والطيب، والطاهر، من خديجة فماتوا صغارًا، وولد له إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضًا رضيعًا. وكان له من خديجة أربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ﵃ أجمعين - فمات في حياته ثلاث وتأخرت فاطمة حتَّى أصيبت به ﷺ ثم ماتت بعده لستة أشهر.
وقوله: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا﴾ كقوله: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيثُ يَجْعَلُ رِسَالتَهُ﴾ فهذه الآية نص في أنَّه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا
(١٢٣) - المسند (٣/ ٣٠)، وأخرجه ابن ماجة في الفتن، باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث (٤٠٠٨) وعبد بن حميد (٩٧١ منتخب) من طريق الأعشى به. ورواه عبد االرزاق، وعنه أحمد في المسند (٣/ ٤٧، ٧٣) عن سفيان الثَّوري عن زبيد عن عمرو بن مرة به وأخرجه عبد بن حميد (٩٧٢) عن أبي نعيم عن سفيان به.