ثم أمر رسول الله، ﷺ، بالأخاديد فخُذتْ في الأرض، وجيء بهم مكتفين، فضرب أعناقهم، وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة، وسبى من لم يُنبت منهم مع النساء، وأموالهم. وهذا كله مقرر مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة، الذي أفردناه موجزًا ومقتصًّا، ولله الحمد والمنة.
ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ﴾، أي: عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله، ﷺ ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ يعني بنى قريظة من اليهود، من بعض أسباط بنى إسرائيل، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديمًا، طمَعًا في اتباع النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ فعليهم لعنة الله.
وقوله: ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ يعني: حصونهم. كذا قال مجاهد وعكرمة، وعطاء والسدي، وقتادة، وغيرهم، ومنهم سميت صياصي البقر، وهي قرونها لأنها أعلى شيء فيها ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾، وهو الخوف؛ لأنهم كانوا مالئوا المشركين على حرب رسول الله، ﷺ، وليس من يعلم كمن لا يعلم، فأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليَعزوا [في الدنيا][١]، فانعكس عليهم الحال، وانقلب الفال، انشمر المشركون ففازوا بصفقة المغبون، فكما راموا العز أذِلوا [٢]، وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا، وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة، فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾، فالذين قتلوا هم المقاتلة، والأسراء هم الأصاغر والنساء.
قال الإمام أحمد (٥٤): حدثنا هُشَيم بن بشير، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي قال: عُرضتُ على النبي، ﷺ، يوم قريظة فشكوا فيّ، فأمر بي النبي، ﷺ، أن ينظروا: هل أنبت بعد؟ فنظروا فلم يجدوني أنبت [بعد][٣]. فخلى عني وألحقني بالسبي.
(٥٣) - السيرة النبوية (٣/ ١٩٢ - ١٩٣). (٥٤) - المسند (٤/ ٣٨٣)، (٥/ ٣١١)، وأخرجه أحمد (٤/ ٣١٠، ٣٨٣)، (٥/ ٣٨٣)، وأبو داود في الحدود، باب: في الغلام يصيب الحد، حديث (٤٤٠٤، ٤٤٠٥)، والترمذي في السير، باب في النزول على الحكم، حديث (١٥٨٤)، والنسائي في الطلاق، باب: متى يقع طلاق الصبي (٦/ ١٥٥)، وفي قطع السارق، باب حد البلوغ .... (٨/ ٩٢)، وابن ماجه في الحدود، باب: من لا يجب عليه الحد، حديث (٢٥٤١، ٢٥٤٢) من طرق عن عبد الملك بن عمير به.