فسار الناس، فأدركتهم الصلاة في الطريق، فصلى بعضهم في الطريق وقالوا: لم يرد منا رسول الله، ﷺ، إلا تعجيل السير، وقال آخرون: لا نصليها إلا في بني قريظة. فلم يُعَنِّف واحدًا من الفريقين. وتبعهم رسول الله، ﷺ، وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى الراية لعليّ بن أبي طالب.
ثم نازلهم رسول الله، ﷺ، وحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة، فلما طال عليهم الحال نزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس، لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية، واعتقدوا أنه يحسن إليهم في ذلك، كما في عبد الله بن أبيّ ابن سلول في مواليه بني قينقاع، حين استطلقهم من رسول الله ﷺ، فظن هؤلاء أن سعدًا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبيّ في أولئك، ولم يعلموا أن سعدًا ﵁ كان قد أصابه سهم في أكحَله أيام الخندق، فكواه رسول الله ﷺ في أكحله، وأنزله في قبة في المسجد ليعوده من قريب.
وقال سعد فيما دعا به، اللهم، إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها. وإن كنت وضت الحرب بيننا وبينهم، فافجرها ولا تمتني حتى تُقر عيني من بني قريظة. فاستجاب الله دعاءه، وقَدّر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلبًا [١] من تلقاء أنفسهم، فعند ذلك استدعاه رسول الله، ﷺ، من المدينة ليحكم فيهم، فلما أقبل وهو راكب [على حمار][٢] قد وطئوا له عليه؛ جعل الأوس يلوذون به ويقولون: يا سعد؛ إنهم مواليك، فأحسن فيهم، ويرققونه [٣] عليهم ويعطفونه، وهو ساكت لا يرد عليهم، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فعرفوا أنه غير مستبقيهم. فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله، ﷺ، قال رسول الله،ﷺ:"قوموا إلى سيدكم". فقام إليه المسلمون، فأنزلوه إعظامًا وإكرامًا واحترامًا له في محل ولايته، ليكون أنفذ لحكمه فيهم، فلما جلس قال له رسول الله،ﷺ:"إن هؤلاء -وأشار إليهم- قد نزلوا على حكمك، فاحكم فيهم بما شئت". قال: وحكمي نافذ عليهم؟ قال:"نعم". قال: وعلى من في هذه الخيمة؟ قال:"نعم". قال: وعلى من هاهنا. وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله، ﷺ، وهو معرض بوجهه عن رسول الله، ﷺ، إجلالًا وإكرامًا وإعظامًا، فقال له رسول الله ﷺ:"نعم". فقال: إني أحكم أن تقتل مُقَاتلتهم، وتسبى ذريتهم وأموالهم. فقال له رسول الله ﷺ: "لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة
= واغتسل. بالحديث وأصل القصة في البخاري كتاب المغازي، حديث (٤١٢٢) من حديث عائشة.