سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾، أي: وإذا كان الأمن تكلموا كلامًا بليغًا فصيحًا عاليًا، وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة، وهم يكذبون في ذلك.
وقال ابن عباس: ﴿سَلَقُوكُمْ﴾ أي: استقبلوكم.
وقال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم، وأسوؤه مقاسمة: أعطونا، أعطونا، قد شهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جَمَعُوا الجبن والكذب وقلة الخير، فهم كما قال في أمثالهم الشاعر:
أي: في حال المسالمة كأنهم الحمير. والأعيار: جمع عير، وهم الحمار. وفي الحرب كأنهم النساء الحُيَّض؛ وهذا قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾، أي: سهلًا هينًا عنده.
وهذا أيضًا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخوف والخور، ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾، بل هم قريب منهم، وإن لهم عودة إليهم ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾، أي: ويَوَدّون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية، يسألون عن أخباركم، وما كان من أمركم مع عدوكم، ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إلا قَلِيلًا﴾. أي: ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلًا لكثرة جبنهم وذلتهم، وضعف يقينهم.
هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله، ﷺ، في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمِرَ الناس بالتأسي بالنبي، ﷺ، يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ﷿ صلواتُ الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين، [تقلقوا] وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في