يخبر تعالى عن هؤلاء الذين ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إلا فِرَارًا﴾: أنهم لو دَخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة، وقطر من أقطارها، ثم سئلوا الفتنة -وهي الدخول في الكفر- لكفروا سريعًا، وهم لا يحافظون على الإِيمان، ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع.
هكذا فسرها [١] قتادة، وعبد الرحمن بن زيد، وابن جرير، وهذا ذم لهم في غاية الذم.
ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف، أن لا يولوا الأدبار ولا يفروا [٢] من الزحف؛ ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾ أي: وإن الله سيسألهم عن ذلك العهد، لا بد من ذلك، ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم، ولا يطول أعمارهم، بل ربما كان ذلك سببًا في تعجيل أخذهم غرة؛ ولهذا قال: ﴿وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلًا﴾ أي: بعد هربكم وفراركم ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾.
ثم قال: ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ﴾، أي: يمنعكم، ﴿مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾، أي: ليس لهم ولا لغيرهم من دون الله مجيرًا ولا مغيث [٣].
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب، والقائلين لإِخوانهم، أي أصحابهم وعُشَرائهم وخلطائهم ﴿هَلُمَّ إِلَينَا﴾، أي: إلى ما نحن فيه من الإِقامة في الظلال والثمار، وهم مع ذلك ﴿وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيكُمْ﴾ أي: بخلاء بالمودة والشفقة عليكم. وقال السدي: ﴿أَشِحَّةً عَلَيكُمْ﴾ أي في الغنائم.
﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾، أي: من شدة خرفه وجزعه، وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ
[١]- في ز، خ: "فسره". [٢]- في ز، خ: "يفرون". [٣]- في خ، ز: "معينًا".