للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفوسهم، ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلا غُرُورًا﴾، أما المنافق فنجم [١] نفاقه، والذي في قلبه شبهة أو حسيكةٌ [٢]، ضَعُف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه، لضعف إيمانه، وشدة ما هو فيه من ضيق الحال. وقوم آخرون قالوا كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ﴾، يعني المدينة كما جاء في الصحيح: "أريت [في المنام] [٣] دارَ هجرتكُم أرض بين حَرّتين فذهب وهلي أنها هجر، فإذا هي يثرب". وفي لفظ: "المدينة".

فأما الحديث الذي رواه الإِمام أحمد (٣٦): حدثنا إبراهيم بن مهدي، حدثنا صالح بن عمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء قال: قال رسول الله : "من سمى المدينة يثرب (٤) فليستغفر الله؛


(٣٦) - المسند (٤/ ٢٨٥). والحديث أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (١٦٨٨) (٣/ ٢٤٧ - ٢٤٨). وعمر بن شبّة في "تاريخ المدينة" (١/ ١٦٥). من طريق صالح بن عمر عن يزيد بن أبي زياد به. وذكره الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٣٠٣) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات. والحديث ذكره ابن حجر في "القول المسدد" (صـ ٤٠، ٤١) وقال: ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أحمد بن إبراهيم الموصلي عن صالح بن عمر به. وأعله بيزيد بن أبي زيد ولم يصب، فإن يزيد وإن ضعفه بعضهم من قبل حفظه وبكونه كان يلقن فيتلقن في آخر عمره؛ فلا يلزم من شيء من ذلك أن يكون حمل ما يحدث به موضوعًا.
وقد أورده الدارقطني في "الأفراد" وقال: تفرد به صالح بن عمر عن يزيد -يعني بهذا الإسناد وأخرجه ابن عدي في "الكامل" في ترجمه يزيد بن أبي زياد وضعف يزيد، وقد رواه أبو بكر بن مردويه في "تفسيره" من طريق أبي يوسف القاضي عن يزيد بن أبي زياد فقال: عن ابن عباس بدل: البراء، ولفظه: "لا تدعوها "يثرب" فإنها طيبة - يعني المدينة، ومن قال: "يثرب" فليستغفر الله ثلاث مرات، هي طيبة: هي طيبة، وشاهده ما أخرجه مالك والبخاري ومسلم والنسائي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أمرت بقرية كل القرى يقولون: يثرب، وهي المدينة". ا هـ
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (٥٦٤٧).
(*) يثرب: قال ابن الأثير: هي اسم مدينة النبي ، قديمة، فغيَّرها وسمَّاها: طَيَّبَة،
وطابة؛ كراهية للتثريب، وهو اللوم والتعيير. وقيل: هو اسم أرضها. وقيل: سُمِّيت باسم رجل من
العمالقة. نهاية [٥/ ٢٩٣].
قال المناوي: لأن اليثرب: الفساد، والتثريب: التوبيخ والمؤاخذة بالذنب واللوم، ولا يليق بها ذلك. وظاهر أمره بالاستغفار أن تسميتها لذلك حرام؛ لأن استغفارنا إنما هو عن خطيئة، وهو ظاهر كلام جمع منهم الدميري؛ قالوا: وتسميتها في التنزيل حكاية لقول المنافقين أو من باب مخاطبة الناس بما يعرفونه. ا. هـ والأكثر على الكراهة، ولا ينافي الكراهة ما في الصحيحين في حديث الهجرة: فإذا هي المدينة يثرب، وفي رواية: "لا أراها إلا يثرب" وإن ذلك كان قبل النهي كما ذكره السمهوديّ تبعا لصحاح الجوهري. فيض القدير شرح الجامع الصغير [٦/ ١٥٦].