قال البخاري (١٣١): حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن مصعب قال: سألت أبي -يعني سعد بن أبي وقاص-: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ أهم الحرورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدًا ﷺ، وأما النصارى كفروا بالجنة، وقالوا [١]: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. وكان سعد ﵁ يسميهم الفاسقين.
وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد: هم الحرورية.
ومعني هذا عن علي ﵁ أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية، كما تشمل اليهود والنصاري وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء علي الخصوص ولا هؤلاء، بل هي [٢] أعم من هذا، فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى، [وقبل وجود الخوارج، [٣] بالكلية، وإنما هي عامة في كل من عبد الله علي غير طريقة مرضية، يحسب أنه مصيب فيها، وأن محمله مقبول، وهو مخطيء، وعمله مردود. كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾. وقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئًا﴾.
وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ﴾ أي: نخبركم ﴿بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ ثم فسرهم فقال: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، أي: عملوا أعمالا باطلة علي غير سريعة مشروعة مرضِية مقبولة ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ أي: يعتقدون أنهم علي شيء، وأنهم مقبولون محبوبون.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ﴾، أي: جحدوا آيات الله في الدنيا، وبراهينه التي أقام علي وحدانيته وصدق رسله، وكذبوا بالدار الآخرة، ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾، أي: لا نثقل موازينهم، لأنها خالية من [٤] الخير.
فقال البخاري (١٣٢): حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا