المنافقين: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونًا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى رسول الله، ﷺ، فجاء إلى رسول الله، ﵌، وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ إلى قوله: ﴿كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ وإن رجليه لتنسفان (*)[١] الحجارة، وما يلتفت إليه رسول الله، ﷺ، وهو متعلق بنِسْعَة (**)[٢] رسول الله، ﵌.
وقال عبد الله بن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر؛ قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا: ما [٣] رأيت مثل قرائنا هؤلاء: أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله، ﷺ. فبلغ ذلك رسول الله، ﷺ، ونزل القرآن. قال [٤] عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقًا بحَقَب (* * *) ناقة رسول الله، ﷺ، تنكبه [٥] الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. ورسول الله، ﵌، يقول: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ الآية [٦].
وقد رواه الليث عن هشام بن سعد بنحو من هذا (١٣٥).
وقال ابن إسحاق (١٣٦): وقد كان جماعة من المنافقين منهم: وديعة بن ثابت أخو بنى أمية بن زيد [بن][٧] عمرو بن عوف، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مُخَشِّن [٨] بن حُمَيِّر، يُشيرُون [٩] إلى رسول الله، ﷺ، وهو منطق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضًا، والله، لكأنا بكم
(*) نَسَف الشيء: فرقه وأذراه. (**) النسعة: سَيْر مضفور. يجعل زمامًا للبعير وغيره. وقد تنسج عريضة تجعل على صدر البعير. (* * *) الحقَب: الحزام الذي يلي حقو البعير. (١٣٥) - رواه الطبري في تفسيره (١٤/ ٣٣٣، ٣٣٤) رقم (١٦٩١٢). (١٣٦) - السيرة النبوية لابن هشام (٢/ ٥٢٤).