وقال قتادة: عاتبه كما تسمعون، ثم أنزل التي في سورة النور، فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء، فقال [١]: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾. الآية [٢]. وكذا روي عن عطاء الخراساني.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله، ﷺ، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
ولهذا قال تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ أي: في إبداء الأعذار ﴿وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ يقول تعالى: هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود، لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو [وإن لم تأذن لهم فيه.
ولهذا أخبر تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو] [٣] أحد يؤمن بالله ورسوله، فقال: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ﴾ أي: في القعود عن الغزو ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [٤] وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾؛ [لأن أولئك][٥] يرون الجهاد قربة، ولما ندبهم إليه بادروا وامتثلوا ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ﴾ أي: في القعود ممن لا عذر له ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي: لا يرجون ثواب الله في الدار الآخرة على أعمالهم ﴿وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: شكت في صحة ما جئتهم به ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ أي: يتحيرون، يقدمون رِجْلًا ويؤخرون أخرى، وليست لهم قدم ثابتة في شيء، فهم قوم حياري هلكي، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلًا.