﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس يأكلون أموالهم بذلك، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف، ولهم [١] عندهم خَرْجٌ (*) وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلما بعث الله رسوله، ﷺ استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم؟ طمعًا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات، فأطفأها الله بنور النبوّة، وسلبهم إياها، وعوضهم [الذل والصغار][٢]، وباءوا بغضبٍ من الله تعالى.
وقوله تعالى: ﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: وهم - مع أكلهم الحرام - يصدون الناس عن اتباع الحق، ويلبسون الحق بالباطل، ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير، وليسوا كما يزعمون، بل هم دعاة إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. هؤلاء هم القسم الثالث من رءوس الناس، فإن الناس عالة [٣] على العلماء، وعلى العباد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس، كما قال [ابن المبارك][٤]:
وأما الكنز: فقال مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر [أنه قال][٥]: هو المال الذي لا تؤدى منه زكاة [٦].
وروى الثوري وغيره (٧٨)، عن عبيد [٧] الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهرًا لا تؤدى زكاته فهو كنز.
وقد روي هذا عن ابن عباس، وجابر، وأبي هريرة موقوفًا ومرفوعًا (٧٩)، وقال [٨] عمر ابن الخطاب نحوه: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونًا في الأرض، وأيما
(*) الخرج: الإتاوة السنوية. (٧٨) - رواه البيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٨٢) من طريق سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعًا وقال: "ليس هذا بمحفوظ، وإنما المشهور عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا". (٧٩) - أما حديث ابن عباس، فرواه الطبري في تفسيره (١٤/ ٢٢٥) رقم (١٦٦٦٩) من طريق على =