صاحبه، أحب إلي مما عدل به، أتى رسول الله ﷺ وهو يدعو على المشركين، فقال: والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن يسارك، ومن بين يديك، ومن خلفك. فرأيت وجه رسول الله ﷺ يشرق لذلك وسر [١] بذلك.
وهكذا رواه البخاري في المغازي، وفي التفسير من طرق عن مخارق به، ولفظه في كتاب التفسير (٣٠٥): عن عبد الله قال: قال المقداد يوم بدر: يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، ولكن امض ونحن معك. فكأنه سري عن رسول الله ﷺ.
ثم قال البخاري: رواه وكيع، عن سفيان، عن مخارق، عن طارق، أن المقداد قال للنبي ﷺ.
و [٢] قال ابن جرير (٣٠٦): حدَّثنا بشر، حدَّثنا يزيد، حدَّثنا سعيد، حدَّثنا [٣] قَتَادة، قال: ذكر لنا أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه يوم الحديبية، حين صدَّ المشركون الهدي، وحيل بينهم وبين مناسكهم:"إني ذاهب بالهدي فناحره عند البيت". فقال له [٤] المقداد بن الأسود: أما [٥] والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما [٦] مقاتلون، فلما سمعها أصحاب رسول الله ﷺ تتابعوا [٧] على ذلك.
وهذا إن كان محفوظًا يوم الحديبية، فيحتمل أنَّه كرر هذه المقالة يومئذ، كما قاله يوم بدر.
وقوله: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ يعني: لما نكل بنو إسرائيل عن القتال، غضب عليهم موسى ﵇، وقال داعيًا عليهم: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾ [أي: ليس أحد يطعني منهم فيمتثل أمر الله، ويجيب إلى ما
(٣٠٥) - صحيح البخارى كتاب التفسير الحديث (٤٦٠٩). (٣٠٦) - رواه فى تفسيره (١٠/ ١٨٦) (١١٦٨٣)، وهو مرسل وقد ذكره السيوطى في "الدر المنثور" (٢/ ٤٨٠) ولم يعزه لغير ابن جرير.