ثانياً: اتفق الفقهاء (١) على كراهة مسح الحصى من موضع السجود أثناء الصلاة، وإباحة المرة الواحدة للحاجة والعذر.
قال النووي -رحمه الله-: « … ومعنى الحديث لا تمسح وإن مسحت فلا تزد على واحدة، وهذا نهي كراهة تنزيه، واتفق العلماء على كراهته إذا لم يكن عذر»(٢).
الأدلة:
الدليل الأول: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ، فَلَا يَمْسَحِ الْحَصَى)) (٣).
وجه الاستدلال: أن في الحديث نهياً صريحاً عن مسح الحصى، ويُحمل على كراهة التنزيه؛ للتعليل بكون الرحمة تواجهه، فلا يشتغل بما يلهيه عنها، ويفوت حظه منها (٤).
الدليل الثاني: حديث مُعَيْقِيبٍ -رضي الله عنه- (٥): ((أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ: إِنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَوَاحِدَةً)) (٦)، وفي رواية:((لا تمسَحْ وأنت تُصلّي، فإن كنتَ لا بدَّ فاعِلًا فواحدةً؛ تسويةَ الحصى)) (٧).
وجه الاستدلال: أن النهي عن مسح الحصى نهي صريح، وفي معناه: تسوية التراب، وإباحة المرة الواحدة؛ للحاجة إلى تسوية الحصى حتى يتمكن من السجود عليه، والمنع فيما
(١) يُنظر: البناية (٢/ ٤٣٦)، حاشية الطحطاوي (ص: ٣٤٥)، النوادر والزيادات (١/ ٢٣٨)، إكمال المعلم (٢/ ٤٨٢)، المجموع (٤/ ٩٨)، مغني المحتاج (١/ ٤٢٢)، المغني (٢/ ٩)، مطالب أولي النهى (١/ ٤٧٦). (٢) المجموع (٤/ ٩٩). (٣) سبق تخريجه: ص (٤٥٦). (٤) يُنظر: المجموع (٤/ ٩٩)، عمدة القاري (٧/ ٢٨٥). (٥) هو: مُعَيْقيب ابن أبي فاطمة الدَّوْسِي حليف بني عبد شمس، وقال موسى بن عقبة: مولى سعيد بن العاص، أسلم قديماً بمكة، وهاجر منها إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، وكان على خاتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستعمله أبو بكر، وعمر على بيت المال، وبقي إلى زمن عثمان بن عفان، وتُوفي في آخر خلافته، وقيل: سنة ٤٠ هـ، روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي. يُنظر: الاستيعاب (٤/ ١٤٧٩)، أسد الغابة (٥/ ٢٣١). (٦) أخرجه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب مسح الحصى في الصلاة (٢/ ٦٤) برقم: (١٢٠٧)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب فِي الصلاة (١/ ٣٨٧) برقم: (٥٤٦). (٧) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب مسح الحصى في الصلاة (٢/ ٢٠٤) برقم: (٩٤٦).