نُوقش: أن ظاهر هذه الأحاديث يعارض حديث أبي قتادة، فيُصار إلى الجمع بينها.
مسالك العلماء لدفع التعارض بالجمع بين الأحاديث:
ذكر القاضي عياض -رحمه الله- ثلاثة مسالك في الجمع بين مختلف هذه الأحاديث (٢)، ونقله عنه النووي -رحمه الله- (٣):
الأول: أن بلالاً -رضي الله عنه- كان يراقب خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حيث لا يراه غيره أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم، ولا يقوم الناس حتى يروه -صلى الله عليه وسلم-، ثم لا يقوم مقامه حتى يعدلوا صفوفهم.
الثاني: أن الرواية الأخرى عن أبي هريرة: (فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ) كانت مرة أو مرتين ونحوهما؛ لبيان الجواز أو لعذر.
الثالث: أنهم كانوا يقومون قبل رؤيته، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبى قتادة بعد ذلك، فكان سبب النهي أن المؤذن كان يقيم الصلاة ولم يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنهاهم عن القيام إليها حتى يروه قد خرج من منزله، كما أفاده قوله:(حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ).
ومن العلماء مَنْ جمع بمثل هذا الجمع أو قريب منه، منهم: القرطبي (٤)، وابن الملقن (٥)، وابن حجر -رحمهم الله- (٦).
الترجيح:
بعد عرض الأقوال وأدلتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- القول الأول القائل بكراهة القيام للصلاة قبل رؤية الإمام، وينبغي أن يُتنبه أن المراد بالرؤية كما بيَّنها الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: أن يخرج من بيته، فيراه مَنْ كان عند باب المسجد، وليس المراد: يراه كل مَنْ كان في المسجد.
أسباب الترجيح:
(١) يُنظر: فتح الباري، لابن رجب (٥/ ٤١٦). (٢) إكمال المعلم (٢/ ٥٥٦). (٣) المنهاج شرح صحيح مسلم (٥/ ١٠٣). (٤) المفهم (٢/ ٢٢٢). (٥) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٤/ ٦٠٧). (٦) فتح الباري (٢/ ١٢٠).